عادي

إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ

22:40 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

خُلق الإنسان على جبلة الانقياد لله في كل أمر ونهي، «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا..» الروم: 30، ولو تُرك على ما خُلق عليه، لنشأ مؤمناً بالله، مسلِّماً أمره إليه، لكن ما إن يبدأ الإنسان يعقل ما حوله حتى تتنازعه نفسه بين الإقامة على ما خُلقت عليه والانقياد لشهواتها، وهنا تبدأ معاندة أوامر الله، فترى العبد يعرف الصواب فيجانبه، ويعرف الإثم فيلازمه، لذا يقول ربنا «إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ» العاديات:6، أي معاند وجاحد لأمر الله مع إنعام الله عليه، والمفارقة أن الأب حينما يكرم ابنه، ويلبي له ما يحتاج إليه ثم إن كلفه أمراً ما، ورفض الابن الانقياد، نجد الأب يضربه ويمنع عنه عطاءه، ولو سئل عن سبب فعله، لقال: كيف يقابل الإحسان بالجحود والإكرام بالإساءة؟! وفي الحقيقة لو تأملنا إكرام الأب لابنه، لوجدناه يكاد لا يذكر، فقد يعطيه شيئاً من المال أو أمراً آخر بسيطاً، أما الله، المنعم المتفضل على عباده، فيغدق عليهم بالنعم، وإن كلفهم بأمر ولم يمتثلوا له أمهلهم، وهيَّأ لهم من يرشدهم لطريق الصواب، عنده، سبحانه، الحسنة بعشر ويزيد، والسيئة بمثلها ويعفو، ينادي بالليل مسيء النهار، ليتوب إليه، وينادي في النهار متخفي الليل بالمعاصي، ليؤب إليه، خيره وإنعامه لعباده نازل، وشرهم ومعاصيهم إليه صاعدة، يتلقى بالمغفرة من يأتيه بعد طول معصية، وينادي من يشرع بالذنب ويذكره بمحبته له قبل أن يغادر سبيل الهداية، فسبحانه من رب كريم. فهل بعد هذا الإنعام يُعصى؟ وهل يجحد أمره فلا يستجاب له بعد هذا الإكرام؟!، فالعجب العجب ممن رأى إكرامه فأنكره، وتسربل بنعمه فلم يشكره، والعجب ممن يقيم على مجانبة أمره، وملازمة نهيه.

حينما نتفكر في قوله تعالى: {إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} ونربط معنى الآية بما قبلها، نشعر بالحياء من الله، فبداية سورة العاديات التي وردت فيها الآية، تتحدث عن الخيل، وكيف تنقاد لأمر صاحبها في أرض المعركة، وتطاوعه في ما يريد مع أنها تعلم أنه قد يسوقها إلى الهلاك أثناء الحرب، لكنها ترى أنه يطعمها ويسقيها، فتنقاد له من دون معاندة، وهذه حال الخيل التي لا تعقل ولا تدرك مع فارسها، فكيف بحال الإنسان الذي أنعم الله عليه بنعمة العقل، ليميز طيب الأفعال والأقوال من خبيثها؟!

مهمة العبد في هذه الدنيا التي خُلق من أجلها هي الاستجابة والانقياد لأمر الله حتى لو لم يعقل الحكمة مما أُمر به أو نُهي عنه، وليس الرفض من مهمته، فالمؤمن إن نزل به ما أحب حمد الله، وإن نزل به ما يكره صبر وشكر، فمقام العبد مع ربه الصبر والرضا والشكر وليس مقام التقييم والمعاندة، والمؤمن حاله كما قال الله في كتابه الكريم «إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا..» النور:51

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3rptrhct

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"