عادي

هل ماتت القصة القصيرة؟

23:12 مساء
قراءة 6 دقائق
1

الشارقة: جاكاتي الشيخ

دأب المهتمون بالثقافة في أنحاء العالم على وصم أي جنس أدبي بالموت، بمجرد أن يقل مبدعوه والمقبلون على تناوله، وقد ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الإشارات التي تومئ إلى موت القصة القصيرة، ويعزز تلك الإيماءات ما تشهده الرواية من رواج ونجاح بين الكتاب من جهة والمتلقين من جهة أخرى، بالرغم من أن الرواية أطول من القصة وتتطلب الكثير من الوقت، سواء من أجل كتابتها أو من أجل قراءتها، وبالرغم من أننا في زمن الاستهلاك والسرعة الذي يوصف الإنسان فيه بأنه لم يعد قارئاً، بل يجره كسله إلى الاكتفاء بما يشاهده خلف الشاشات من محتوى سريع الظهور وسريع الاختفاء، إلا أن الإقبال على الرواية يزداد في العقود الأخيرة يوماً بعد يوم على حساب الأجناس الأدبية الأخرى، مثل الشعر أيضاً، والذي بدأ في العودة إلى الساحة بعد ركوده عقوداً طويلة وانسحابه من المشهد لصالح الكتابات النثرية بشكل عام، وهو ما يرى فيه البعض إشارة إلى إمكانية العودة القريبة للقصة القصيرة أيضاً.

لم تكن الساحة الثقافية الإماراتية بعيدة من تلك الظاهرة، إذ تشهد القصة القصيرة انحساراً لافتاً في الدولة في أيامنا، ما جعل البعض يتساءلون: هل ماتت القصة القصيرة؟.

لا يعتقد الكاتب القصصي إبراهيم مبارك أن هنالك إمكانية لموت أي جنس أدبي، ولكنه يرى أن الكسل قد يكون طاغياً في مرحلة من مراحل المبدعين، ويُبشر بأن هنالك شباباً لديهم كتابات متنوعة في القصة القصيرة، بالإضافة إلى الكتّاب الموجودين أصلاً، والذين - رغم قلة عطائهم الإبداعي - يحاولون من حين لآخر تقديم ما يسهم في بقاء القصة القصيرة حاضرة، كما يرى أن لكل مرحلة جنسها الأدبي الذي يطغى عليها فيستحوذ على الساحة، كالمسرح أحياناً، والآن الرواية التي كانت القصة القصيرة مهيمنة على المشهد قبلها، إلا أنه يرجع السبب الحقيقي في تراجع فن القصة القصيرة إلى غياب النقد، فلا قراءات بحثية في المنتج القصصي، ولا متابعات ولا نقاشات حول الإصدارات الجديدة، كما يرى أن هنالك تقصيراً في حث الشباب على الإبداع، عكس الثمانينيات التي كان لتشجيع الشباب خلالها دور كبير في الاتجاه نحو القصة والمسرح. مُردفاً أن فترة كورونا كان لها أثر بالغ في تراجع الأنشطة الثقافية، بما فيها المتعلقة بإبراز القصة القصيرة، ولكن العودة الراهنة للحراك الثقافي من خلال المسرح والفعاليات والمعارض مؤشرٌ إيجابي، فكلما عادت معارض الكتب عاد الفعل الإبداعي، في الفن والأدب والموسيقى، فما يعتبر موتاً للقصة القصيرة ليس إلا خُفوتًا للضوء الملقى عليها، وركودًا في مواكبتها، ويُحمّل مبارك الجانب الصحفي مسؤولية هذا الركود، فلقلة اهتمام الصحافة الثقافية بالمنتج الإبداعي دور كبير في ركود الساحة الثقافية بل وقتلها.

*حالة مؤقتة

وتعتبر الكاتبة عائشة عبد الله أن القصة الإماراتية القصيرة، لم تمت بل دخلت في سُبات عميق، فطغت الرواية على المشهد الأدبي بدلاً منها، مستدركة أنها مجرد حالة مؤقتة، ومنضمة إلى القائلين بتأثير فترة كورونا على العمل الثقافي بشكل عام، حيث توقفت الندوات والأنشطة الثقافية، وكانت عودتها بعد ذلك على استحياء، حتى عبر في منصات التواصل التي لم تعد الدعاية الأدبية عبرها كما كانت قبل كورونا، ولكن تُبشر بدورها أنها تكتشف من حين لآخر شباباً مبدعين في معارض الكتّاب ليسوا من الأسماء المعروفة في الساحة، وهو ما يمثل بالنسبة لها بريق أمل في استمرار الكتابة القصصية وعودتها إلى سالف عهدها، أيام كانت موجودة بشكل قويّ بين الأجناس الكتابية الأخرى، وتُرجع السبب في إظهار تلك المواهب الواعدة إلى مؤسسات فاعلة، تقوم بدورات تأطيرية للمواهب الصاعدة، فعندما يطّلع القارئ على كتابات هؤلاء الشباب سيجد من بينهم حالات إبداعية مذهلة، ولكنها قليلة وتعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة.

* شكل جديد

أما الكاتبة القصصية أسماء الزرعوني فترى أن العديد من المبدعين قد اتجهوا إلى كتابة الرواية، حتى من كُتاب القصة القصيرة، ولكنها تعتبر أن القصة القصيرة لا تزال على حالها، فهي من أصعب الفنون الأدبية، والسبب في اتجاه الكتّاب إلى الرواية حسب رأيها هو ما تتيحه من طول نفس، عكس القصة القصيرة التي تعتمد على الحدث الواحد والزمن الواحد، مما جعل كتابتها تحتاج إلى مبدعين متمكنين من فنياتها الخاصة، كما تشير إلى أن هنالك ظهوراً للقصة القصيرة جداً، والتي كانت أول من كتبتها في الإمارات، ولكن كل ذلك لا ينفي الوجود الفعلي للقصة القصيرة، ولا يَشِي بغياب من يبدعون في كتابتها على قلتهم، عكس الرواية التي استسهلها الشباب وأقبلوا على كتابتها ونشرها، لأنها تحتاج فسحة أطول وحرية سرد وإطناب أوسع، بينما تتطلب القصة القصيرة التكثيف والإيجاز، على أن لها صدى واسعاً في العالم العربي بما فيه الدول الخليجية الأخرى وخاصة السعودية، بينما يتجه جلّ الكتاب الحقيقيين في الإمارات إلى الرواية بدلا منها، وتّتّحسَّر أسماء الزرعوني بخلاف إبراهيم مبارك وعائشة عبد الله معترفة بأن الجيل الجديد من كتاب القصة القصيرة في الإمارات لا يزال عاجزاً عن كتابتها بالمستوى اللائق الذي يعيدها إلى الواجهة كما كانت في سنوات سابقة.

1

* موهبة

فيما يؤكد الكاتب محسن سليمان أن أحد أبرز أسباب تدهور القصة القصيرة هو تخلي الصحافة الثقافية عن دورها، لأن القصة بالنسبة له ابنة الصحيفة، فابتداءً من سنة 2010 تقلصت مساحات الجرائد المخصصة للقصة القصيرة، وانحسر المتنفس المألوف لنشرها، ولم يظهر لها مبدعون جدد، لصعوبة كتابتها بالمقارنة مع الرواية، التي شهدت إقبالاً منقطع النظير في السنوات الأخيرة، لأن القصة القصيرة تعتمد على موهبة الكاتب في القدرة على الاكتناز في السرد، رغم ظهور بعض الكتّاب الشباب من حين لآخر، نتيجة لوفرة دور الطباعة وسهولة النشر، ولكن ذلك كان سبباً في استسهال الكتابة لدى هؤلاء الشباب. ويتفق سليمان مع رأي الكاتبة أسماء الزرعوني حول الشباب، إذ يرى أن الظاهر من خلال محاولاتهم الكتابية أنهم لا يقرؤون إلا لبعضهم بعضاً فقط، وما يقدمونه مجرد شبه خواطر، فلا يكتبون - في الغالب - وفق الشروط الفنية المعروفة للقصة القصيرة، ولا يطّلعون على ما أنتجه الكتاب الكبار، ما جعلهم لا يَصلون إلى مستوى كتّاب التسعينات الذين تشبعوا من جيل الرّواد في الإمارات ومن كُتّاب القصة في الوطن العربي والعالم بشكل عام، فلم يُقنع الكتّاب الجدد حتى الآن القراء ولا الدارسين للإقبال على ما يسطرونه، ويخلص سليمان إلى أنه لا يستطيع الحكم على موت القصة القصيرة، ولكنه يعترف بتراجع وجودها في الساحة الأدبية الإماراتية.

* حراك

وكشاهد ساير المشهد القصصي الإماراتي وواكبه يرى الكاتب والباحث عبد الفتاح صبري أن القصة القصيرة الإماراتية مدينة بفضل الانطلاق لنشوء الدولة، حيث كانت إرهاصات الحراك الاجتماعي والثقافي تتشكل في المنطقة قبل ذلك بفترة وجيزة، ومع نشوء الدولة اعتمرت الأماني بالمستقبل الآتي، ومع انتظام التعليم والتوسع فيه ولدت القصة الإماراتية المكتملة فنياً وازدهرت مع جيل من الكتاب المبدعين، حتى إنها كانت تتساوق مع نظيراتها في العالم العربي، وهذا الاكتمال أدى إلى أن يكون لها الدور الأساسي في خوفها على القيم والتراث في ظل التحولات العالمية الكبرى، وساهمت الصحافة الثقافية في إبراز القصة القصيرة وكرست الأسماء التي أبدعت من الجيل المؤسس، ومع بداية الألفية برزت أسماء جديدة لها رؤية أخرى في معادلة الكتابة والانقلاب على النمط السائد، في اللغة والأهداف والمضامين والانتصار للمرأة والانفتاح على البعد الإنساني والذاتي، بدلاً من القصة المؤسسة التي اقتصر اهتمامها على البعد الاجتماعي، مُشيراً إلى أنه مع دخول شرائح جديدة من أدباء كُثر في راهن المشهد خاصة من السيدات، والتركيز من قبل الحراك الثقافي في الدولة والميديا للترويج للرواية وتغذية هذا الاتجاه من قبل حركة النشر التي تنامت بسرعة في الدولة بغرض الربح، أصبحت الرواية في ظاهر المشهد لأن الإعلام والميديا تبرزها على حساب الأجناس الأخرى، ولكن من الناحية الأخرى، تَشكل تيارٌ جديد من كتّاب وكاتبات يحافظون على إنتاج قصة جديدة باهرة ومكتملة، وتعالج الهموم الذاتية وتنتصر للإنسان وللقضايا الإنسانية العامة، ولكن هذا الجيل لا يجد المساندة والدعم من الإعلام.

ويشيد عبد الفتاح صبري بالدور الذي تقوم به المختبرات والورش التي تنعقد في عموم الإمارات، كالورش التي تعقدها مؤسسة الشيخ محمد بن راشد في دبي للمواهب الشبابية من حين لآخر، وطباعتها لإنتاج هؤلاء المنتسبين الشباب، وهي نماذج واعدة ومبشرة، وفاتحة على اتجاهات جديدة للقصة الإماراتية، وفي هذا السياق لا يَغفل أن الراهن المخفي مكتنز بكاتبات وكتّاب لهم دور مهم وحيوي، يسهم في الحفاظ على اتقاد القصة والحفاظ على وهجها ووجودها، مثل لولوة المنصوري وفتحية النمر، رغم أن الساحة الآن تشهد تطوراً مهمّاً تجاه الانحياز للقصة القصيرة جداً، التي تبرز كتطور في هذا الجنس الأدبي، فصار هناك كُتّاب لهم الكثير من الإنتاج في هذا المجال، مثل هيفاء أبو سمرة ود. بديعة الهاشمي وعائشة عبد الله ود. سلطان العميمي وآخرون.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/v3ncx3te

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"