مفارقات تأزيم الأزمات

00:39 صباحا
قراءة دقيقتين

عبد اللطيف الزبيدي

هل تلعن شعوب الربيع الخِرَبيّ تلك الشرطية التي صفعت البوعزيزي، في سيدي بوزيد، فأحرق نفسه؟ عشرون فاء جرّها ذلك الحريق: صبّ البنزين وأضرم النار فاحترق، فثار الناس سخطاً في المدينة، فانتقلت التظاهرات إلى سائر المحافظات، فصار أحدهم عَلَماً بشعار «هرمنا»، فقال الرئيس كلمة في الوقت الضائع: «فهمتكم»، فجاءت متأخرة، ففرّ فخامته، فصاح أحد المحامين: «ابن علي هرب»، فإذا بأبي القاسم الشابي يطلّ من مصر: «إذا الشعب يوماً أراد الحياة»، فنتف القارئ الكريم شعره لكثرة الفاءات، ولأنه يعرف البئر وغطاءها، من طقطق سيدي بوزيد، المسماة على أبي زيد الهلالي، إلى السلام عليكم التي قد تأتي بعد عمر طويل.

 يحاول المرء ألاّ يعرف لماذا إذا فُتح جرح عربي صار التئامه بعيد المنال. حين تكون سبل الفهم والمعرفة مسدودة، حتى لا نقول محظورة العبور، فالعلم بالشيء صداع. الخير والبركة في ذلك المرحوم الوالدين الذي يسّر على العرب ولم يعسّر قائلاً: «من قال لا أدري فقد أفتى». جنّبك الله الإحاطة بعجائب المواضع في كتب التراث، التي يستخدم فيها المؤلفون عبارة «والله أعلم».

 من أهمّ امتحانات الشعوب، فنون إدارة الأزمات، كيف تتصرف حين تنزل البلوى على دماغها. اختبارات الربيع الخِرَبيّ برهنت على مهارات مضادّة، إبداع مضادّ، فعندما تقع الواقعة يتلقفها الشعب ويزيد الطين ألف بلّة، فتزداد الأزمة تأزّماً ولا يحلها بعدُ حلاّل. في العراق، ليبيا وسوريا، كان تأزيم المأزوم المتأزم نسخاً متطابقة كأنها أصل واحد. في هذا يظهر التضامن العربي والعمل المشترك. استنجدت معارضات طالبة الغوث والعون من مجتمع دوليّ، فكانت الاستجابة بالأساطيل والترسانات، تخلخلت أرجل الكراسي، كان صرحاً من نظام فهوى. كانت بلداناً فطارت شظايا، إلا من رحم ربّي. معاذ الله، ليس المقصود أن تلك البلدان لا تستحق الحريّة والديمقراطية. حاش لله أن ينصرف الذهن إلى أن تلك الشعوب لا يمكن أن تتعلم الانضباط والتعايش السلمي الاجتماعي إلاّ إذا كانت الهراوات قريبة من جنوبها، وفوق رؤوسها سيف داموكليس. كل ما هنالك هو أنها مجتمعات حُرمت الحريات زمناً طويلاً، منذ الآباء والأجداد، فعندما غابت العصا، تمرّد كل فرد وعصى، وتفرعن وغوى، ولم يدرك الجبّ الذي حفروه له فهوى، فأكلت البلدان الهواء.

 لزوم ما يلزم: النتيجة الديزنيّة: أهل الربيع الخِربي مثل البطة دونالد سيّئة الحظ، تهرب من القطرة تأتي تحت الميزاب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"